هذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في تفسير الاحلام ، ينبغي التنبه
لها ومنها :
أولاً : انشغال الناس بهذه تفسير الاحلام وتقديسها، وصرف الأوقات
الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام
دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس
المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعلم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر
قدره فلا إفراط نهائياّ ولا تفريط.
ثانيًا : إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تفسير الاحلام،
مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يسال أصحابه بعد الفجر: ((من رأى منكم
رؤيا؟))، فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقاس عليه غيره،
وكان في طور تنزّل الوحي، ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة كالخلفاء الأربعة
ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تفسير الاحلام، لاسيما أبو بكر الصديق
وقد
شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف تفسير الاحلام.
ثالثًا : من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها، ففيه إثم
عظيم، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تحلم بحلم لم
يره كلَّف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))، قال الإمام الطبري
رحمه الله: “الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره”.
رابعًا : بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدًا إلا وقد سأله
عنها، وقد يسأل أحيانًا جهالاً لا يفقهون فيها شيئًا. تفسير الاحلام ـ يا رعاكم الله
ـ علم ليس لأي أحدٍ أن يتكلّم فيه، سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الحلم كل
أحد؟ فقال مالك: أبِالنبوة يُلعب؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقـول: ((إذا رأى
أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتيًا في الاحلام، يتكلم
بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله:
وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً
[الإسراء:36]؟!
خامسًا : يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب تفسير الاحلام والاعتماد
عليها، فكلما رأى في منامه شيئًا فتح كتابه، ألا فليعلم أن الاحلام يعبرها أهل العلم
باعتبارات مختلفة، وقد تكون تفسير الاحلام واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف. جاء رجلٌ صالح
لابن سيرين فقال: رأيت أني أؤذن في المنام، فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى:
[الحج:27]، وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام، فعبرها له بأنه يسرق لقوله
تعالى:
ثُمَّ
أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
سادسًا : تنتشر بين الفينة والأخرى ورقةٌ مذكور فيها رؤيا
للرجل الصالح أحمد خادم الحجرة النبوية، وفيها بعض الوصايا، وكذلك ورقة أخرى أن
فتاة رأت في المنام أمَ المؤمنين زينب أو بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة
تأمرها بأن تقرأ قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
الإخلاص:1] كذا مرة وسيحصل لها كذا وكذا، وكل هذه خزعبلات وأكاذيب لا تنشر إلا عند
الجهلاء، وقد نبهت عليها اللجنة الدائمة، وتكلم عنها الشيخ ابن باز رحمه الله في
إيضاح قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، ألا فليُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
مات إلا والدين قد كمل، وأن أيّ مدّعٍ يدعي أنه اكتشف سنة عبر منام فهو كاذب، فليس
هناك سنة إلا وقد بينها صلى الله عليه وسلم ، وانتهى التشريع بموته .