لقد جاء الاهتمام بالرؤيا الصادقة في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – اهتمامًا يحفظ المسلم من الغلو أو التفريط فيها. فالرؤيا الصادقة من الله، وهي جزء من أجزاء النبوة، ومن مبشرات النبوة، وهي من الأنبياء وحي، بل هي مبدأ الوحيين والتصديق بها حق ولا خلاف فيها بين أهل الحق والدين ولا ينكرها إلا من شذ عن الحق (1).
فدل كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – على أن رؤيا الأنبياء وحي، فهي تدخل في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51]. ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه بعض رؤى أنبيائه، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال: 43]. وجعل سبحانه معجزة نبيه يوسف عليه السلام تأويل الرؤى، كما جاء في سورة يوسف. وكذلك ما جاء في رؤيا إبراهيم عليه السلام، وكيف أقدم على ذبح ابنه وعد ما رآه في المنام أمرًا من الله تعالى، وكذلك الابن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}. قال تبارك وتعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 102 – 105].
وكذلك رؤيا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في قصة الحديبية قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27]. أما السنة فقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن أول أحوال النبيين الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (2).
أما رؤيا المؤم(3).
ي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كما ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – (2) وهي من مبشرات النبوة، وباعث خير وطمأنينة. ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في شأن الرؤى، فهناك الأحاديث التي تبين أقسامها، وأن ما يراه الإنسان في منامه منه الرؤيا الحق، ومنه حديث النفس، ومنه تهاويل الشيطان، ولكل نوع علاماته وصفاته tafsir al ahlam youtube. وهناك الأحاديث التي تبين أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة، ومن مبشرات النبوة، وأحاديث تبين أن رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام حق، إذا رأه على صورته وليس ذلك مبررًا للتلقي عنه – صلى الله عليه وسلم – في المنام. وأحاديث تبين الآداب التي يتأدب بها المسلم عندما يرى ما يحب وعندما يرى ما يكره. وأحاديث تبين تأويل النبي – صلى الله عليه وسلم – للرؤيا وهي كثيرة جدًا. وأحاديث تبين أحكام الرؤى، من حيث حكم الكذب فيها، وهل الرؤيا إذا عبرت وقعت، وما شروط المعبر وآدابه، وغيرها من الآداب والأحكام. ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – كثيرًا ما يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم رؤيا» كما ثبت من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه (4).
. ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان مما يقول لأصحابه: «من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له» (5).
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ فيقول إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة» (6).
قال ابن عبد البر (7).
رحمه الله: «وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها لأنه – صلى الله عليه وسلم – إنما كان يسأل عنها لتقص عليه، ويعبرها، ليعلم أصحابه كيف الكلام في تأويله» (8).
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: «الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة» (9).
وقال القرطبي (10).
رحمه الله: «والرؤيا حالة شريفة ومنزلة رفيعة» (10).
ولقد كان من اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم – بالرؤى وبيان أحكامها وآدابها لأمته، أنه كان يبين لهم ذلك في خطبه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت (11).
على أثره، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للأعرابي: «لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك» وقال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد يخطب فقال: «لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه» (12).
بل حتى وهو – صلى الله عليه وسلم – في مرض موته، الذي سيودع فيه أمته ويلقى ربه، كشف الستار والناس صفوف خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها العبد الصالح أو ترى له» (13).