لا خلاف بين العلماء في أن رؤيا الأنبياء وحي، وهي تدخل في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51].
يقول ابن القيم رحمه الله: «ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة» .
ولهذا ذكر الله تعالى في القرآن رؤيا إبراهيم في شأن ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام وكيف أقدم على ذبح ابنه وعدَّ ما رآه في المنام أمرًا من الله تعالى، وكذلك الابن قال: يا أبت افعل ما تؤمر.
قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 102 – 105].
ووجه الاستدلال من هذه الآية أن الرؤيا لو لم تكن وحيًا للأنبياء لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ابنه .
ولذلك ذكر الله عز وجل في كتابه بعض مرائي أنبيائه، فقال عن يوسف عليه السلام: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 4، 5].
وقال تعالى في نهاية القصة: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100].
وكذلك ذكر الله سبحانه في كتابه قصة رؤيا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في غزوة بدر؛ قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 43].
وكذلك رؤيا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في قصة الحديبية:
قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27].
فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر بذلك أصحابه وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا ستقع هذا العام، فلما صدهم المشركون عن دخول مكة عام الحديبية وصالحهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أن يرجعوا عامهم ذلك، على أن يعودوا في العام المقبل وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام. قال: قلت: لا. قال: «فإنك آتيه ومطوف به» .
وقد وقع تصديق رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – في عمرة القضاء.
وكذلك جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في رؤى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنها وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرًا ونهيًا، ويجب الإيمان بها والعمل بمقتضاها، وهي كذلك من دلائل نبوته؛ إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت كما أخبر، ومن ذلك:
1 – أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة، فإذا هي المدينة، ورأيت فيها بقرا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا الله به بعد يوم بدر» .
2 – أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «بينما أنا نائم إذ أتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا عليَّ وأهماني، فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا، فأولتها الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة» .
3 – أخرج مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب» .
4 – أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «بُعثت بجوامع الكلم، ونصرتُ بالرعب، وبينما أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي».
وفي لفظ للبخاري: «أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي»، قال أبو هريرة: فذهب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأنتم تنتقلونها» .
إلى غير ذلك من الأحاديث، والتي أكثرها متفق عليه في الصحيحين .
وكون رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – وحي، وأن ذلك من دلائل نبوته – صلى الله عليه وسلم – هذا أمر مستقر في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك: كنت أرجو أن يرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رؤيا يبرئني، كما أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده .
ويقول معاذ رضي الله عنه: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان ما رأى في يقظته أو نومه فهو حق. أخرجه أحمد في مسنده، وابن أبي عاصم في كتاب السنة بلفظ: ما رأى في نومه وفي يقظته فهو حق .
وإنما كانت رؤيا الأنبياء وحيًا لأسباب، منها:
1 – أنهم معصومون من أن يتمثل لهم الباطل في صورة الحق، ولم يجعل الله للشيطان أو الخيال عليهم سبيلا، فلذلك فرؤياهم حق.
2 – من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن أعينهم تنام ولا تنام قلوبهم.
كما جاء في الصحيحين وموطأ الإمام مالك من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي» ، وفي لفظ للبخاري: «وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ..».
وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه.
ويقول الإمام البغوي – رحمه الله: “ونومه مضطجعًا حتى نفخ، وقيامه إلى الصلاة من خصائصه؛ لأن عينه كانت تنام ولا ينام قلبه؛ فيقظة قلبه تمنعه من الحدث، وإنما منع النوم قلبه ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه” .
ويقول النووي – رحمه الله: قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي». هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وسبق في حديث نومه – صلى الله عليه وسلم – في الوادي؛ فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس ، وأن طلوع الشمس متعلِّقٌ بالعين لا بالقلب .
وأما قوله – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «أريتك في المنام مرتين، إذا رجل يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فاكشفها. فإذا هي أنت». فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه» .
فمما لا ريب فيه أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق، وعلى هذا اختلف العلماء في قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إن يكن هذا من عند الله يمضه».
فذهب القسطلاني إلى أن مراده: إن تكن هذه الرؤيا على وجهها؛ بأن لا تحتاج إلى تعبير وتفسير – يمضها الله، وينجزها؛ فالشك عائد إلى أنها على ظاهرها أو تحتاج إلى تعبير .
وقال الكرماني: يحتمل أن تكون هذه الرؤيا قبل النبوة، وأن تكون بعدها وبعد العلم؛ فإن رؤياه وحي؛ فعبَّر عما علمه بلفظ الشك ومعناه اليقين إشارةً إلى
أنه لا دخل له فيه، وليس ذلك باختياره وفي قدرته .
ورؤيا الأنبياء منها ما لا يحتاج إلى تعبير كرؤيا إبراهيم عليه السلام، ومنها ما يحتاج إلى تعبير كرؤيا يوسف عليه السلام.
أما الأثر الذي فيه: «رؤيا الأنبياء وحي». فقد روي مرفوعًا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، وروي موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما، وروي مقطوعًا على عبيد الله بن عمير رضي الله عنه.
أما المرفوع: فروى ابن أبي حاتم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا الأنبياء في المنام وحي».
ذكره ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره، ثم قال: «وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه» .
أما الموقوف على ابن عباس رضي الله عنه، فأخرج ابن جرير في تفسيره، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا .
وأورد ابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، وعزاه إلى مسند أحمد بن حنبل موقوفًا على ابن عباس بلفظ: «رؤيا الأنبياء وحي» .
وقال عنه البوصيري في إتحاف المهرة: رواته ثقات .
أما المقطوع – ونعني به أنه من قول التابعي – فأخرج البخاري في صحيحه من طريق عبيد بن عمير قال: رؤيا الأنبياء وحي. ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} .
وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد الرزاق أيضًا وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات .
وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح لمسلم مرفوعًا، وقد بحثت عنه في مظانه فلم أجده .
اذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في المنام علي شكل شاب امرد هي صحيحة و من الوحي