الدلالات: – بكسر الدال وفتحها – جمع دلالة، وهي الإرشاد، واستدل بالشيء على الشيء أي اتخذه دليلاً عليه .
قال الجوهري في الصحاح: “الدَّلِيلُ: ما يُستدلُّ به، والدَليلُ: الدَالُّ وقد دَلَّه على الطريق يُدُّله دَلاَلَة ودِلاَلَة ودُلُولَة. والفتح أعلى” .
وقال الجرجاني في كتاب التعريفات: “الدلالة هي كون الشيء يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول” .
وبناء على ذلك نستطيع أن نقول: إن دلالات الرؤيا، هي الأمور التي ترشد إليها الرؤيا.
ودلالات الرؤيا كثيرة، ومن خلال استقراء بعض نصوص السنة، يتضح لنا شيء من تلك الدلالات، وهذا يعتمد على فقه الحديث، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فمن تلك الدلالات للرؤيا:
أولاً: أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها وصلاحه غالبًا:
ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه بسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إن رجالا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيقول فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن وبيتي في المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء. فلما اضطجعت ليلة، قلت اللهم إن كنت تعلم في خيرًا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله: اللهم أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال: لن تراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرون البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، ورأى فيها رجالاً معلقين بالسلاسل، رءوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالاً من قريش: فانصرفوا بي ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن عبد الله رجل صالح» فقال نافع: لم يزل بعد ذلك يكثر من الصلاة .
وفي رواية فقال – صلى الله عليه وسلم -: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام إلا قليلا» .
وفي رواية فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -» .
وفي رواية: (فقلت اللهم إن كان لي عندك خير فأرني مناماً يعبره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها» .
وقال العيني رحمه الله في شرح حديث ابن عمر السابق: “وفيه تمني الرؤيا الصالحة ليعرف صاحبها ماله عند الله” .
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح لأنه عرض على النار ثم عوفي منها، وقيل له لا روع عليك، وذلك لصلاحه، غير أنه لم يكن يقوم من الليل فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل مما يتقى به النار والدنو منها، فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك .
ثانيًا: أنها تدل على تثبيت الله لعباده المؤمنين:
يؤخذ ذلك من قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يوسف: 62 – 64].
والبشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى، والرؤيا الصالحة تدل على بشارة الله لعبده المؤمن ولذلك سماها النبي – صلى الله عليه وسلم – مبشرات، وكقوله عز وجل في غزوة بدر {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} [الأنفال: 43] وقوله عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] ولهذا في آخر الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وذلك والله أعلم لأن المؤمن في آخر الزمان أشد ما يكون إلى تثبيت الله له في مثل ذلك العصر الذي يقل فيه المساعدون ويكثر فيه المخالفون والمناوئون.
ولهذا أول ما بدئ به النبي – صلى الله عليه وسلم – الوحي كان الرؤيا الصالحة .
ثالثًا: أنها تدل على اهتمام صاحبها بما يراه في المنام:
فالإنسان إذا اهتم بشيء فإنه كثيرًا ما يراه في منامه، فيرى رؤيا متعلقة بهذا الذي شغله في اليقظة.
ولذلك لما كان الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، يشغل الإسلام قلوبهم، كانوا وهم يتقلبون في فرشهم يرون ما يشغل بالهم وما يهتمون به في يقظتهم، وانظر إلى أي لون من المرائي التي كانوا يرونها.
ولذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه وقال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فإن رأى أحد رؤيا قصها ..» .
فكون النبي – صلى الله عليه وسلم – يسأل أصحابه «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» دليل على أن أولئك الرجال من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كان الإسلام يشغل قلوبهم ومن تلك المرائي لأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رؤياهم لليلة القدر ورؤياهم للآذان ورؤيا الطفيل أخي عائشة رضي الله عنها في قول ما شاء الله وشاء محمد ورؤيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما التي سبقت معنا، فلما كان يفكر في اليقظة في شأن الجنة والنار، وقد شغلت باله، رأى رؤيا تناسب هذا الهم الذي شغله.
رابعًا: أن رؤيا السوء تدل على تلاعب الشيطان بالإنسان:
كما أخرج الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره.
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تحدث بتلعب الشيطان بك في منامك» وقال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد يخطب، فقال: «لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه» .
فإذا رأى الإنسان رؤيا سوء فليعلم أن ذلك من تحزين الشيطان وتلاعبه، فلذا جاءت السنة بالآداب التي يقولها ويفعلها المسلم عندما يرى رؤيا سوء.